١٨
احد اديره وادي النطرون/ ليل خارجي
فتي صغير يخرج من غرفته في بيت الخلوه بالدير يقطع الخطي سريعا ليذهب الي الكنيسه الاثريه القديمه
يناير وقت غير مناسب ابدا لمثل هذه الخلوات برد الصحراء قارس ينخر العظام يسرع الفتي قليلا حتي يحصل علي بعض الدفء من حركته السريعه يشعر برمال الصحراء من اسفل حذائه كانما يمشي علي نهر جليدي متجمد
يصل الي الكنيسه ليصلي تسبحه نصف الليل ويليها القداس بمجرد دخوله اليها يشعر بالدفء الممزوج بالراحه والاطمئنان
يسجد اولا ثم يقف ليرفع عينيه ويصلي يقف في اخر الكنيسه مكانه المفضل يري الرهبان وهم يصلون لا يحتاج لكتاب التسبحه فهو يحفظ اجزائها بالقبطيه والعربيه يغمض عينيه ليتابع الصلاه يفتحها وقد انتهي القداس
اكثر من ثلاث ساعات انتهت وهو لم يشعر بها انتهت كالسحر فقط يشعر بنفسه خفيفا غير مثقل ولا مرتبط بشئ متوحد مع كل الموجودين
ياخذ نصيبه من الاغابي ويتبارك بكل الرهبان الموجودين ويطلب معونتهم وصلواتهم عنه
يخرج من الكنيسه ليرفع عينيه الي السماء ويري الشمس وقد اختفت خلف غيوم كثيفه يغمض عينيه ويفتحهما لجد قطرات من المطر قد بدات تتساقط عليه يبتسم ابتسامه صغيره ويسرع في خطواته ليحتمي في مبني الخلوه وفب غرفته من المطر الذي بدأ ينهمر بشده. قطع
٢١
ملعب نادي السكه الحديد/نهار خارجي
شاب وسيم يجلس علي كرسي الاحتياط وينظر بشجن للمباراه التي تلعب امامه نظرته تبدو للوهله الاولي انه يشاهد المباراه ولكنه في واقع الامر ينقل بصره زائغ الغينين بين كل تفاصيل الملعب والمدرجات وبين زملاؤه ومدربه وحتي لاعبي المنافس
يغمض عينيه ليتذكر تلك المشاده بينه وبين والده من شهرين واكثر
"انت مش هتلعب كوره تاني فوق بقي انا رحت للكوتش النهارده في النادي وقلتله ان مستقبلك هيضيع وانه ميلاعبكش تاني خلاص
فوق لنفسك ودراستك علشان الحمل بقي تقيل عليا كفايه عليا حمل اخواتك البنات كفايه دلع وشيل مسؤوليه نفسك وسيبك م الكوره اللي عمال تجري وراها دي مش هتنفعك انت راجل وتعرف تتصرف لوحدك وتعيش اخواتك البنات لا وانا عارفك عندي ودماغك ناشفه لو عرفت انك اتزفتت تاني جريت ورا الكوره انت حر"
ينظر لمدربه الذي يقف علي الخط ويتذكر كلماته بعد ان ذهب اليه وساله عن سر عدم لعبه
"اسف يابني انا باباك جه وكلمني وظروفك الاسريه تخليني اقولك اعمل اللي باباك بيقولك عليه ركز اكتر في دراستك واتخرج علشان تساعده انا اب وعارف ومقدر اللي باباك بيتكلم فيه انت من النهارده مش هينفع تلعب اتمرن معانا احضر معانا ماتشات انما لعب لا "
يغمض عينيه ليغالب دموعه ويلعن الظروف ينظر نظره اخيره للجميع ويقف ويعطي ظهره للملعب للمره الاخيره فهو لن يدخله ثانيه ابدا يحمل باقي ملابسه وحذاء اللعب وتسقط دموعه وهو يسير الي خارج الملعب مع بدايه سقوط الامطار
ينظر الي اعلي وهو يبكي ليشعر بقطرات المطر تسقط علي وجهه
٢٤
غرفه نوم /نهار داخلي
شاب يستلقي علي سريره وهو ينظر نظره فارغه الي السقف يتذكر اخر ما قيل له من طبيب الامراض الباطنيه نصحه بانه الان اصبح افضل كثيرا بعد شهرين من العلاج ولكنه لا يزال يؤكد ان اي توتر او قلق او حزن يؤثر علس حالته النفسيه سيؤثر بكل تاكيد علي حاله معدته وقولونه
يتذكر كيف ذهب اليه بعد ثلاثه ايام كامله بدون طعام فقط الماء والعصائر
كيف كان يشعر بالقئ لمجرد رؤيه اي طعام او شم رائحته
يتذكر كيف نساه الجميع الا صديق اصابع القلق عليه فاتي واخذه للطبيب الذي كتب قائمه من ٥ ادويه وبعض المحاليل والحقن
يلعن ذلك الطبيب الغبي الذي اعاده للحياه بعد ان كان علي مشارف الرحيل
كيلوجرامات رحلت من جسده وتركته يعاني احباط الوحده
الكل نسي وجوده فشل في دراسته ولم يعد يقوي علي لعب الكره
كان اقوي من كل هذا قام واقفا ليقرر انه سيكمل وسيفوز فهو لا يعرف معني الهزيمه
كل هذه الظروف ستصبح دافعا ساتذكرها يوما ما وساحكيها بكل فخر
كيف هزمت كل هذا وحدي ولم يكن معي احد
قام ليفتح شباك غرفته ينظر الي السماء التي اكتست بسحب رماديه وقبل ان يدخل يديه يجد ان قطرات المطر قد اغرقت يداه لينظر مره اخري الي السماء ويبتسم ابتسامه مليئه بالتحدي وكانما قام لتوه من بين الاموات
٣٠
احد بارات وسط البلد/ليل داخلي
يجلس شاب نحيل الي احد الكراسي العاليه المقابله للبار يشرب كوكتيله المفضل الممزوج بالويسكي وهو يتذكر بعض المواقف والسنين السابقه ويبتسم ابتسامه مليئه بالنصر
يتذكر كيف انهي دراسته بعد ان رسب لعامين متتاليين وتنبا له الجميع بالفشل واولهم الاقربون
يتذكر كيف انهي علاقته العاطفيه حين شعر ان هذا ليس مكانه
كيف بدا وظيفته الجديده في مكان يسعي اليه الكثيرون وكيف اثبت نفسه بسرعه واندمج في الحياه العمليه
اصبح يحب نفسه اكثر ويقدرها استوعب مدي قوته وجبروته اصبح كالمارد الذي نهض من رماده الخاص بعد ان تنبأ الجميع انه حرق واصبح من الماضي
يخرج النقود من جيب الجاكت الجلد الاسود ليدفع الحساب يخرج الي الشارع ويغلق سوسته الجاكت ينظر الي السماء ليجد المطر قد بدا في النزول ويبتسم للقمر خلف الغيوم الكثيفه ويسرع الخطي الي سيارته
٣٥
احدي محطات القطارات القديمه التابعه للجيزه/ليل خارجي
منتصف الليل تقريبا والمحطه خاليه تماما الهدوء يحيط بالمكان ولا يقطع الصمت الا صوت شاب يجلس الي احد كراسي المحطه الاسمنتيه العتيقه يمسك بزجاجه من البيره ويشرب مستمتعا بلسعه الكحول التي تدفع الدفء في جسده
يتامل رصيف المحطه الخالي ويتذكر كيف يكون طوال ساعات اليوم
هذه المحطه تمام كحياه الانسان تكون مليئه بالضوضاء والصخب وتهدأ تدريجيا حتي يرحل الجميع ويصبح وحيدا
تنتهي الرحلات ويذهب الناس الي بيوتهم ويجلس هو وحيدا تظن في البدايه انه يستحيل ان تصبح وحيدا وان يرحل الجميع ولكن ياتي اليوم لتكتشف فيه مدي سذاجتك
فقط القوي هو من يجلس وحيدا يستمتع بعد ان يدرك ان الاصل هو الوحده والتوحد مع النفس وان كل ما دون ذلك زائر سيرحل لا محاله
ينهي زجاجه البيره ويقلبها كعادته ليجد بعض قطرات المطر تسقط علي قاعده الزجاجه المقلوبه
يرفع عينيه الي السماء ويبتسم ابتسامه رضا وينهض ليرحل هو الاخر من المحطه.
*****************
وكان امطار السماء كانت تواسيني في اوقات حزني وتقويني في اوقات احباطي وتشاركني اوقات رضاي وفرحي في كل يوم ١٩ يناير فشكرا للسماء
١٧ يناير ٢٠٢٣